من مذكرات لحسن الحماس: الحــــــلاق

الحـــــلاق

لم يكن الصغير يزور الحلاق إلا بمرافقة أبيه. كان الأشعث الصغير يجري وراء الكبير ذلك الكهل الجدي الذي لا يعرف ما يصطلح عليه بالمشي، و إنما أقل سرعة لديه هي الهرولة، فلا حل لمرافقيه إلا ضرب الأكباد.  

كان دكان الحجام حميدة تقليديا، بسيط العدة و العتاد، مرآته وسخة، و كل شيء في محله توقف قبل اللمسات الأخيرة، وربه أبيض كثيف زغب الجسم. جعلت السمنة  لتنفسه صوتا و حشرجة.

و كانت واجهة المحل مفتوحة مباشرة على باحة يملأها لاعبوا الدامـا، محلقين ـ ومنهم أبي ـ  في ركوع حول لاعبَيْنِ فصَلت اللَّعبة بينهما و العالم، فلا ترى منهما إلا دخان التبغ يخرج من فوهة الحلقة.  

و كان الحلاق شغوفا بهذه اللَّعبة، يراوح بين الحلْق و الحَلقة، ليرشد المغلوب، أو ينصر الغالب، متناسيا رأسا حلق نصفه و صار أضحوكة للأقران العابرين الساخرين الشامتين...

تبا لأمة تلعب حتى في الجد، بينما الأمم الأخرى تجد حتى في اللعب.

رومانسياتي

لم يكن محل الحلاق آنذاك مختصا بقص الشعر، و إنما كان عيادة للأسنان، و الجراحة، و الختان، و الحجامة، ناد لرجال المنطقة، مجمَعا لأخبار الحي و السياسة، تماما كما كان علماء العرب قبل عصر التخصص.

لم يكن الصغير ليتحمس و يقبل على الحلق و يتبع الكبير كالجدي، لولى أن العملية ستتوج بزيارة مباشرة لدكان عمي الطاهر، حيث يختفي الكون كله  وراء زجاجات حلوى البقرة. ما أسعدني بصورة الطــــاهر و يديه الكريمتين تمتدان لفتح الزجاجة.. و لهذه العملية رنين يسيل منه اللعاب.. فيرجع الحليق إلى أمه قرير العين راضيا مرضيا، تنسيه الحلاوة وخزات قصاصات الزغب المتساقطة على جسمه... 

                                            من ذكريات ذ.لحسن الحماس مشاركة في مدونة رومانسياتي.